خطبة الجمعة للدكتور خالد بدير : احترام الكبير
خطبة الجمعة القادمة بعنوان : احترام الكبير ، للدكتور خالد بدير، بتاريخ 13 ذو القعدة شوال 1444 هـ ، الموافق 2 يونيو 2023م.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 2 يونيو 2023م ، للدكتور خالد بدير بعنوان : احترام الكبير :
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 2 يونيو 2023م ، للدكتور خالد بدير بعنوان : احترام الكبير ، بصيغة word أضغط هنا.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 2 يونيو 2023م ، للدكتور خالد بدير بعنوان : احترام الكبير ، بصيغة pdf أضغط هنا.
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف
للمزيد علي قسم خطبة الجمعة القادمة
عناصر خطبة الجمعة القادمة 2 يونيو 2023م ، للدكتور خالد بدير ، بعنوان : احترام الكبير : كما يلي:
أولًا: منزلةُ الاحترامِ في الإسلامِ.
ثانيًا: احترامُ الكبيرِ صورٌ ومظاهرٌ.
ثالثًا: دعوةٌ وعودةٌ إلى قيمةِ الاحترامِ.
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 2 يونيو 2023م ، للدكتور خالد بدير ، بعنوان : احترام الكبير : كما يلي:
خطبة بعنوان: احترامُ الكبيرِ
بتاريخ: 13 ذو القعدة 1444هـ – 2 يونيو 2023م
المـــوضــــــــــوع
الحمدُ للهِ نحمدُهُ ونستعينُهُ ونتوبُ إليهِ ونستغفرُهُ ونؤمنُ بهِ ونتوكلُ عليهِ ونعوذُ بهِ مِن شرورِ أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا، ونشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له وأنَّ سيِّدَنَا مُحمدًا عبدُهُ ورسولُهُ ﷺ. أمَّا بعدُ:
العنصر الأول من خطبة الجمعة
أولًا: منزلةُ الاحترامِ في الإسلامِ
لقد خلقَ اللهُ النفسَ الإنسانيةً وجعلَها رمزًا للتكريمِ والتوقيرِ والاحترامِ، فقال تعالى: { وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً } [الإسراء: 70].
والاحترامُ كلمةٌ تضمُّ مجموعةً مِن المشاعرِ الإيجابيةِ المتمثلةُ في الحبِّ والعنايةِ والتقديرِ، وهي صفةٌ إنسانيةٌ جليلةٌ تحملُ في طياتِها معاني أخرى من الشموخِ والرفعةِ والعزةِ، والاحترامُ عكسُ الازدراءِ أي الاحتقار، وقد ظهرتْ هذه القيمةُ في العديدِ من المواقفِ كما جاءً في القرآنِ والسنةِ .
ولقد أمرنَا الإسلامُ باحترامِ الكبيرِ وتوقيرِه، قالً ﷺ: ” لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيُوَقِّرْ كَبِيرَنَا” [أحمد والترمذي والحاكم وصححه]..أي ليس من أخلاقِنَا وهديِنَا وطريقتِنَا. وعَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:” إِنَّ مِنْ إِجْلَالِ اللَّهِ إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ؛ وَحَامِلِ الْقُرْآنِ غَيْرِ الْغَالِي فِيهِ وَالْجَافِي عَنْهُ؛ وَإِكْرَامَ ذِي السُّلْطَانِ الْمُقْسِطِ”. (أبو دواد والطبراني بسند حسن)، وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:” مَا أَكْرَمَ شَابٌّ شَيْخًا لِسِنِّهِ إِلَّا قَيَّضَ اللَّهُ لَهُ مَنْ يُكْرِمُهُ عِنْدَ سِنِّهِ “. ( الطبراني والبيهقي والترمذي).
وقد غرسَ النبيُ ﷺ هذه القيمةَ النبيلةَ في نفوسِ صحابَتِه الكرام، قال أبو مسعودٍ البدريِّ رضي اللهُ عنه : كانَ رَسولُ اللهِ ﷺ يَمْسَحُ مَنَاكِبَنَا في الصَّلَاةِ، ويقولُ: اسْتَوُوا، ولَا تَخْتَلِفُوا، فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُمْ، لِيَلِنِي مِنكُم أُولو الأحْلَامِ والنُّهَى ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ قالَ أبو مَسْعُودٍ: فأنْتُمُ اليومَ أشَدُّ اخْتِلَافًا “. ( مسلم )، وعن أبي سعيدٍ رضي اللهُ عنهُ قال: ” لقَدْ كُنْتُ علَى عَهْدِ رَسولِ اللهِ ﷺ غُلَامًا، فَكُنْتُ أَحْفَظُ عنْه، فَما يَمْنَعُنِي مِنَ القَوْلِ إلَّا أنَّ هَا هُنَا رِجَالًا هُمْ أَسَنُّ مِنِّي ” . ( مسلم ) .
وعَنْ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ، قَالَ: كُنْتُ أَمْشِي مَعَ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ، فَصِرْنَا إِلَى مَضِيقٍ فَتَقَدَّمَنِي ثُمَّ قَالَ لِي” لَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّكَ أَكْبَرُ مِنِّي بِيَوْمٍ مَا تَقَدَّمْتُكَ “(الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ فِي الْجَامِعِ)، وعَنِ ابْنِ عُمَرَ – رضى اللهُ عنهما – قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:” أَخْبِرُونِي بشَجَرَةٍ مَثَلُها مَثَلُ المُسْلِمِ، تُؤْتي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بإذْنِ رَبِّها، ولا تَحُتُّ ورَقَها, فَوَقَعَ في نَفْسِي أنَّها النَّخْلَةُ، فَكَرِهْتُ أنْ أتَكَلَّمَ، وثَمَّ أبو بَكْرٍ وعُمَرُ، فَلَمَّا لَمْ يَتَكَلَّما، قالَ النبيُّ ﷺ: هي النَّخْلَةُ، فَلَمَّا خَرَجْتُ مع أبِي قُلتُ: يا أبَتاهُ، وقَعَ في نَفْسِي أنَّها النَّخْلَةُ، قالَ: ما مَنَعَكَ أنْ تَقُولَها، لو كُنْتَ قُلْتَها كانَ أحَبَّ إلَيَّ مِن كَذا وكَذا، قالَ: ما مَنَعَنِي إلَّا أنِّي لَمْ أرَكَ ولا أبا بَكْرٍ تَكَلَّمْتُما فَكَرِهْتُ”.(البخاري). يقولُ الإمامُ ابنٌ حجرٍ رحمه الله: “وَقَعَ في نفْسِ ابنِ عُمَرَ أنَّها النَّخلةُ، ولكنَّه استَحْيا أنْ يَذكُرَ ما في نفْسِه تَوقيرًا لأكابرِ الصَّحابةِ الحاضِرينَ الذين لم يَعرِفوها”. (فتح الباري).
إنَّ توقيرَ واحترامَ الصحابةِ للنبيِّ ﷺ أثارَ دهشةَ عروةَ بنِ مسعودٍ الثقفيِّ وجعلَهُ يتعجبُ مِن الحبِ والإجلالِ والتعظيمِ والاحترامِ مِن الصحابةِ للنبيِّ ﷺ، وذلك حينمًا بعثَتْهُ قريشٌ ليتفاوضْ مع النبيِّ ﷺ في صلحِ الحديبيةِ، ” فجَعَلَ عُرْوَةُ يَرْمُقُ أَصْحَابَ النَّبِيِّ ﷺ بِعَيْنَيْهِ قَالَ: فَوَ اللَّهِ مَا تَنَخَّمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ نُخَامَةً إِلَّا وَقَعَتْ فِي كَفِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ فَدَلَكَ بِهَا وَجْهَهُ وَجِلْدَهُ ، وَإِذَا أَمَرَهُمْ ابْتَدَرُوا أَمْرَهُ، وَإِذَا تَوَضَّأَ كَادُوا يَقْتَتِلُونَ عَلَى وَضُوئِهِ، وَإِذَا تَكَلَّمَ خَفَضُوا أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَهُ، وَمَا يُحِدُّونَ إِلَيْهِ النَّظَرَ تَعْظِيمًا لَهُ ، فَرَجَعَ عُرْوَةُ إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ: أَيْ قَوْمِ وَاللَّهِ لَقَدْ وَفَدْتُ عَلَى الْمُلُوكِ وَوَفَدْتُ عَلَى قَيْصَرَ وَكِسْرَى وَالنَّجَاشِيِّ؛ وَاللَّهِ إِنْ رَأَيْتُ مَلِكًا قَطُّ يُعَظِّمُهُ أَصْحَابُهُ مَا يُعَظِّمُ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ ﷺ مُحَمَّدًا”(البخاري). وهذا الاحترامُ كان سببًا في إسلامِهِ وماتَ شهيدًا!
وقد سُئِلَ العباسُ عمُّ النبيِّ ﷺ أنتَ أكبرُ أم رسولُ اللهِ؟ فقالَ احترامًا وتوقيرًا: هو أكبرُ منِّي وأنَا ولدتُ قبلَهُ!
وهكذا خرَّجتْ مدرسةُ النبيِّ مُحمدٍ – ﷺ – جيلًا نشأَ على الحبِّ والاحترامِ والتقديرِ .
العنصر الثاني من خطبة الجمعة
ثانيًا: احترامُ الكبيرِ صورٌ ومظاهرٌ.
إنَّ احترامَ الكبيرِ له صورٌ عديدةٌ تشملُ جميعَ كبارِ المجتمعِ، مِن هذه الصورِ:
احترامُ الكبيرِ ذي الشيبةِ: فقد ضربَ لنَا رسولُ اللهِ ﷺ أروعَ الأمثلةِ في احترامِ كبارِ السنِّ وذوِي الشيبةِ والرفقِ بهِم، ومن ذلك توقيرهُ ورفقهُ بأبي قحافةَ والدِ أبي بكرٍ الصديق – رضي اللهُ عنه -: لمَّا دخلَ رسولُ اللهِ ﷺ مكةَ فاتحًا؛ أتى أبو بكرٍ بأبيهِ يقودُهُ إلى حضرةِ النبيِّ ﷺ ، ليبايعَ ويسلمَ، فلمَّا رآهُ ﷺ قال صاحبُ الخلقِ العظيمِ: “هلّا تركتَ الشيخَ في بيتهِ حتى أكونَ أنَا آتيهِ فيه؟” قال أبو بكرٍ رضي اللهُ عنه: يا رسولَ اللهِ، هو أحقُّ أنْ، يمشِى إليكَ مِن أنْ تمشِى أنتَ إليهِ! فأجلسَهُ سيدُنَا مُحمدٌ ﷺ بينَ يديهِ، وأكرمَهُ، ثم مسحَ على صدرهِ، ثُم قال: “أسلمْ” فأسلمَ. ودخلَ بهِ أبو بكرٍ وكان رأسُهُ كالثغامةِ بياضًا مِن شدةِ الشيبِ. فقالَ ﷺ في تلطفٍ جمٍّ وذوقٍ رفيعٍ: “غيّروا هذا مِن شعرهِ!”. ( السيرة النبوية لابن كثير ).
ومنها: احترامُ الصغيرِ والعطفُ عليهِ: وكمَا أمرنَا الإسلامُ باحترامِ الكبيرِ فكذلكَ أمرنَا باحترامِ الصغيرِ؛ وذلك بتقديرِه تأسيًا بالنبيِّ ﷺ. فعن عائشةَ قالتْ: ما رأَيْتُ أحَدًا أشبَهَ سَمْتًا ودَلًّا وهَدْيًا برسولِ اللهِ في قيامِهَا وقعودِهَا مِن فاطِمةَ بنتِ رسولِ اللهِ ﷺ، كانَتْ إذا دخلَتْ على النَّبيِّ ﷺ قامَ إليهَا فقبَّلَهَا وأجلَسَهَا في مجلِسِهِ، وكان النَّبيُّ ﷺ إذا دخَلَ عليهَا قامَتْ مِن مجلِسِهَا فقبَّلَتْهُ وأجلَسَتْهُ في مجلِسِهَا . ( الترمذي) .
حتى الأطفالُ كان لهم مِن جبرِ الخاطرِ والاحترامِ مع رسولِ اللهِ ﷺ نصيبٌ، فَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ:” كانَ رَسولُ اللهِ ﷺ أَحْسَنَ النَّاسِ خُلُقًا، وَكانَ لي أَخٌ يُقَالُ له: أَبُو عُمَيْرٍ، قالَ: أَحْسِبُهُ، قالَ: كانَ فَطِيمًا، قالَ: فَكانَ إذَا جَاءَ رَسولُ اللهِ ﷺ فَرَآهُ، قالَ: أَبَا عُمَيْرٍ ما فَعَلَ النُّغَيْرُ قالَ: فَكانَ يَلْعَبُ بهِ”. (مسلم).
فهذا الطفلُ ماتَ طائرهُ، فجبرَ بخاطرهِ النبيُّ ﷺ بهذه الكلماتِ تقديرًا وعطفًا وشفقةً.
هذا هو الهديُ النبويُّ في احترامِ الأطفالِ والصغارِ، ومِن المؤكدِ أنَّ احترامَ وتقديرَ الصغارِ يدلُّ على الحرصِ على مشاعرِهِم ، بالإضافةِ لزيادةِ شعورِهِم بالثقةِ بأنفسِهِم، وبناءِ معاني الرجولةِ فيهِم.
ومنها: احترامُ الوالدين: فقد أكّدَ الإسلامُ على ضرورةِ احترامِ الوالدينِ والإحسانِ إليهمَا والاعتناءِ بهمَا، ولا سيَّمَا في حالِ كبرهِمَا، قالَ تعالَى: {وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا}.[الإسراء: 23-24]، وعَنْ أَبي هريرةَ رضي اللهُ عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:“ رَغِمَ أنْفُ، ثُمَّ رَغِمَ أنْفُ، ثُمَّ رَغِمَ أنْفُ“، قيلَ: مَنْ؟ يا رَسولَ اللهِ، قالَ: “مَن أدْرَكَ أبَوَيْهِ عِنْدَ الكِبَرِ، أحَدَهُما، أوْ كِلَيْهِما فَلَمْ يَدْخُلِ الجَنَّةَ“. ( مسلم). ولنا القدوةُ في سلفِنَا الصالحِ – رضي اللهُ عنهم – في توقيرِ واحترامِ الوالدين، فهذا عليٌّ بنُ الحسنِ: لا يأكلُ مع والديهِ فقيلَ لهُ في ذلك؟! فقال: لأنَّهُ رُبَّمَا يكونُ بينَ يدي لقمةٌ أطيبُ مما يكونُ بينَ أيديهِمَا وهما يتمنيانِ ذلك، فإذا أكلتٌ بخستُ بحقهِمَا!!
ومنها: احترامُ الأقاربِ: مِن الأعمامِ والعماتِ والأخوالِ والخالاتِ وأولادِهِم وغيرِ ذلك مِن الأقاربِ جميعًا، مهما كان بينكَ وبينهُم مِن خلافٍ، فلتكنْ أنت الأخيرَ والأفضلَ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنَّ لِي قَرَابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونِي؛ وَأُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَيُسِيئُونَ إِلَيَّ؛ وَأَحْلُمُ عَنْهُمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ. فَقَالَ:” لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمْ الْمَلَّ ، وَلَا يَزَالُ مَعَكَ مِنْ اللَّهِ ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ “(مسلم). قال الإمامُ النوويُّ: “معناهُ كأنَّمَا تطعمُهُم الرمادَ الحارَّ ، وهو تشبيهٌ لِمَا يلحقُهُم مِن الألمِ بمَا يلحقُ آكلُ الرمادِ الحارِّ مِن الألمِ، ولا شيءَ على هذا المحسنِ، بل ينالُهُم الإثمَ العظيمَ في قطيعتهِ، وإدخالِهم الأذَى عليهِ. وقيلَ: معناهٌ إنّك بالإحسانِ إليهِم تخزِيهم وتحقرهٌم في أنفسهِم لكثرةِ إحسانِكَ وقبيحِ فعلِهِم مِن الخزيِ والحقارِةِ عندَ أنفسِهِم كمَن يسفُّ الملَّ. وقيلَ : ذلك الذي يأكلونَهُ مِن إحسانِكَ كالملِّ يحرقُ أحشاءَهُم “. (شرح النووي).
تابع / خطبة الجمعة
ومنها: احترامُ العلماءِ: فقد رفعَ الإسلامُ قدرَهُم وأمرَ باحترامِهِم وتقديرِهِم، قالَ تعالَى: { يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} (المجادلة: 11) . وفي ذلك يقولُ أميرُ الشعراءِ أحمد شوقي :
قُم لِلمُعَلِّمِ وَفِّهِ التَبجيلا ……….. كادَ المُعَلِّمُ أَن يَكونَ رَسولا
أَعَلِمتَ أَشرَفَ أَو أَجَلَّ مِنَ الَّذي ………….يَبني وَيُنشِئُ أَنفُسًا وَعُقولا
ومنها: احترامُ غيرِ المسلمين أحياءً وأمواتًا: وذلك مِن خلالِ احترامِ إنسانيتِهم، واحترامِ دينِهِم وعدمِ الاعتداءِ عليهِم وعلى معابدِهِم أو أعراضِهِم، امتثالًا لقولهِ تعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}. (الممتحنة: 8).
ومِن أبرزِ صورِ الاحترامِ لغيرِ المسلمين مخاطبةُ النبيِّ مُحمدٍ ﷺ لملكِ الرومِ حينَ أرسلَ إليهِ رسالةً يدعُوهُ بهَا إلى الدينِ الإسلاميِّ تبدأُ بقولهِ: ” مِن مُحمدٍ رسولِ اللهِ إلى هرقل عظيمِ الروم”، فقد حرصَ نبيُّنَا الكريمُ على إنزالِ الناسِ منازلَهُم واحترامِهِم وتقديرِهِم . يقولُ ابنُ حجرٍ: ” لم يُخله مِن إكرامٍ لمصلحةِ التألّفِ”؛ وكثيرًا ما يحتاجُ المسلمونَ للتعاملِ بالاحترامِ والتوقيرِ لمصلحةِ وحدةِ الصفِ وتوفيرِ الجهودِ وتأليفِ القلوبِ، وإزالةِ الدخنِ، وإغاظةِ العدوِ…وبقدرِ ما يحترمُ بعضُنَا بعضًا نكونُ في نظرِ الناسِ محترمين. ولقد كانَ ﷺ مثالًا حيًّا في احترامِ غيرِ المسلمين أحياءً وأمواتًا، فقد زارَ الغلامَ اليهوديَّ في مرضهِ فكان ذلك سببًا في إسلامِهِ. فقالَ ﷺ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى أَنْقَذَهُ بِى مِنَ النَّارِ»[سنن أبي داود].
وفي مجالِ تكريمهِ واحترامه للأمواتِ منهم قيامهِ لجنازةِ اليهوديِّ ؛ فقد روي ” أنَّ النَّبِيَّ ﷺ مَرَّتْ بِهِ جِنَازَةٌ فَقَامَ , فَقِيلَ لَهُ : إِنَّهَا جِنَازَةُ يَهُودِيٍّ ، فَقَالَ : أَلَيْسَتْ نَفْسًا ؟!” (متفق عليه).
العنصر الثالث من خطبة الجمعة
ثالثًا: دعوةٌ وعودةٌ إلى قيمةِ الاحترامِ
إنّ مَن ينظرْ إلى جيلِ آبائِنَا وأجدادِنَا المنصرمِ يجدْ أنّ قيمةَ الاحترامِ كانتْ قد بلغتْ ذروتهَا، فكان الواحدُ منهم حينما يسلمُ على أبيهِ أو جدهِ أو عمهِ أو خالهِ أو أحدٍ أكبرَ منهُ مِن أقاربهِ وذوي رحمهِ، يقبلُ يدَهُ واضعًا جبهتَهُ عليها احترامًا وتقديرًا، كان الواحدُ يقابلُ معلمَهُ في الطريقِ فيخالفُ الطريقَ مِن هيبةِ المعلمِ وتوقيرِهِ واحترامِهِ، واليوم بدأتْ هذه المعاني في الانسلاخِ والانصرامِ؛ بسببِ ما يتشبعُهُ الشبابُ والفتياتُ مِن أفكارٍ وتقليدٍ أعمَى، تحت ستارِ الحريةِ والتحضرِ وإثباتِ الذاتِ، أصبح الشابُ يسلمُ على أبيهِ وجدهِ بأناملِ أصابعِه كأنَّهُ يخافُ مِن العدوىَ والفيروسِ؛ أصبح الشابُ ينادِي على أبويهِ يا حاج ويا حاجة!! أصبح الطالبُ يعاملُ معلمَهُ معاملةَ الأصحابِ والخِلَّانِ، فعلينا أنْ نسعَى جاهدينَ إلى عودةِ غرسِ قيمةِ الاحترامِ في نفوسِ الشبابِ والفتياتِ، علينَا أنْ نغرسَ فيهم هديَ الرسولِ ﷺ في الاحترامِ والتقديرِ، فهذا معاويةُ بنُ الحكمِ السلمٍي، يقولُ: بَيْنَمَا أَنَا أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ إِذْ عَطَسَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ، فَقُلْتُ: يَرْحَمُكَ اللهُ؛ فَرَمَانِي الْقَوْمُ بِأَبْصَارِهِمْ، فَقُلْتُ: وَاثُكْلَ أُمِّيَاهْ، مَا شَأْنُكُمْ؟ تَنْظُرُونَ إِلَيَّ، فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ بِأَيْدِيهِمْ عَلَى أَفْخَاذِهِمْ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ يُصَمِّتُونَنِي لَكِنِّي سَكَتُّ، فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللهِ ﷺ، فَبِأَبِي هُوَ وَأُمِّي، مَا رَأَيْتُ مُعَلِّمًا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ أَحْسَنَ تَعْلِيمًا مِنْهُ، فَوَاللهِ، مَا كَهَرَنِي وَلَا ضَرَبَنِي وَلَا شَتَمَنِي، قَالَ: “إِنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ، إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ”(مسلم).
وعن عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ يَقُولُ: كُنْتُ غُلَامًا فِي حَجْرِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَكَانَتْ يَدِي تَطِيشُ فِي الصَّحْفَةِ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ” يَا غُلَامُ: سَمِّ اللَّهَ وَكُلْ بِيَمِينِكَ وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ” فَمَا زَالَتْ تِلْكَ طِعْمَتِي بَعْدُ.” ( البخاري ).
فعليكُم بالاحترامِ والتوقيرِ لكلِّ أفرادِ المجتمعِ، ولنكنْ قدوةً لغيرِنَا في المُثلِ والأخلاقِ، ولذلك ضُرِبَ بالأحنفِ بنِ قيسٍ المَثلُ في الحلمِ والاحترامِ وحسنِ الخلقِ ، فقِيلَ له: كيف وصلْتَ إلى هذه المنزلةِ؟ فقال: ما آذانيِ أحدٌ إلّا أخذتُ في أمرِهِ بإحدَى ثلاث : إنْ كان فوقيِ عرفتُ لهُ فضلَهٌ، وإنْ كان مثلِي تفضّلتُ عليهِ، وإنْ كان دونيِ أكرمتُ نفسِيِ عنهُ.
وهكذا بالاحترامِ المتبادلِ والتقديرِ يسودُ الودُ والحبُّ والصفاءُ بين أفرادِ المجتمعِ .
نسألُ اللهَ كما حسَّنَ خلقنَا أنْ يحسنَ أخلاقنَا، وأنْ يجعلَنَا مِن أهلِ التقديرِ والاحترامِ.
الدعاء،،،،،،، وأقم الصلاة،،،،،
كتبه : خادم الدعوة الإسلامية
د / خالد بدير بدوي
_____________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف